الجهة الثانية من جهات الإشكال المذكور هي: ما ذكره القرطبي عن الخطابي قال عنه: واحتج له بعض أهل اللغة، فقال: معناه والراسخون في العلم يعلمونه، قائلين: آمنا، وزعم أن موضع يقولون نصب على الحال. وعامة أهل اللغة ينكرونه ويستبعدونه؛ لأن العرب لا تضمر الفعل والمفعول معا، ولا تذكر حالا إلا مع ظهور الفعل، فإذا لم يظهر فعل فلا يكون حال، ولو جاز ذلك لجاز أن يقال: عبد الله راكبا، يعني: أقبل عبد الله راكبا، وإنما يجوز ذلك مع ذكر الفعل، كقوله: عبد الله يتكلم يصلح بين الناس، فكان يصلح حالا له كقول الشاعر أنشدنيه أبو عمر قال: أنشدنا أبو العباس ثعلب:
أرسلت فيها قطما لكالكا ... يقصر يمشي ويطول باركا
أي يقصر ماشيا.
وهذا الإشكال أيضا ساقط؛ لأن الفعل في الحال المذكور غير مضمر، لأنه مذكور في قوله "يعلم" ولكن الحال من المعطوف دون المعطوف عليه، كما بينه العلامة الشوكاني في تفسيره، وهو واضح.
الجهة الثالثة من جهات الإشكال المذكورة هي: أن المعروف في اللغة العربية أن الحال قيد لعاملها، ووصف لصاحبها، فيشكل تقييد هذا العامل الذي هو "يعلم" بهذه الحال التي هي "يَقُولُونَ آمَنَّا"، إذ لا وجه لتقييد علم الراسخين بتأويله بقولهم آمَنَّا بِهِ؛ لأن مفهومه أنهم في حال عدم قولهم: آمَنَّا بِهِ لا يعلمون تأويله، وهو باطل، وهذا الإشكال قوي، وفيه الدلالة على منع الحالية في جملة