الوجه الثاني: أن آية {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} ليس باقية على عمومها بإجماع المسلمين؛ لأن الأخت من الرضاع لا تحل بملك اليمين إجماعًا: للإِجماع على أن عموم (أو ما ملكت أيمانهم) يخصصه عموم {وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} وموطوءة الأب لا تحل بملك اليمين إجماعًا، للإِجماع على أن عموم {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} يخصصه عموم {وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} الآية. والأصح عند الأصوليين في تعارض العام الذي دخله التخصيص، مع العام الذي لم يدخله التخصيص: هو تقديم الذي لم يدخله التخصيص. وهذا هو قول جمهور أهل الأصول، ولم أعلم أحدًا خالف فيه إلَّا صفي الدين الهندي، والسبكي.
وحجة الجمهور أن العام المخصص اختلف في كونه حجة في الباقي بعد التخصيص. والذين قالوا: هو حجة في الباقي. قال جماعة منهم: هو مجاز في الباقي، وما اتفق على أنه حجة، وأنه حقيقة، وهو الذي لم يدخله التخصيص أولى مما اختلف في حجيته، وهل هو حقيقة، أو مجاز؟ وإن كان الصحيح: أنه حجة في الباقي، وحقيقة فيه؛ لأن مطلق حصول الخلاف فيه يكفي في ترجيح غيره عليه. وأما حجة صفي الدين الهندي والسبكي على تقديم الذي دخله التخصيص فهي أن الغالب في العام التخصيص، والحمل على الغالب أولى، وأن ما دخله التخصيص يبعد تخصيصه مرة أخرى، بخلاف الباقي على عمومه.
الوجه الثالث: أن عموم {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ} غير وارد في معرض مدح ولا ذم، وعموم {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} وارد في معرض مدح المتقين، والعام الوارد في معرض المدح أو الذم اختلف