للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وحاصل تحرير المقام في ذلك: أن الآيتين المذكورتين بينهما عموم وخصوص من وجه، يظهر للناظر تعارضهما في الصورة التي يجتمعان فيها كما قال عثمان رضي الله عنه عنهما: أحلتهما آية، وحرمتهما أخرى. وإيضاحه أن آية: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ} تنفرد عن آية {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} في الأختين المجموع بينهما، بعقد نكاح، وتنفرد آية {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} في الأمة الواحدة، أو الأمتين اللتين ليستا بأختين، ويحتمعان في الجمع بين الأختين، فعموم {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ} يقتضي تحريمه، وعموم {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} يقتضي إباحته. وإذا تعارض الأعمان من وجه في الصورة التي يجتمعان فيها وجب الترجيح بينهما، والراجح منهما، يقدم ويخصص به عموم الآخر، كما أشار له في مراقي السعود بقوله:

وإن يك العموم من وجه ظهر ... فالحكم بالترجيح حتمًا معتبر

وإذا علمت ذلك فاعلم أن عموم {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ} مرجح من خمسة أوجه على عموم {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ}.

الأول: منها: أن عموم {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ} نص في محل المدرك المقصود بالذات، لأن السورة سورة النساء: وهي التي بين الله فيها من تحل منهن، ومن لا تحل، وآية {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} في الموضعين لم تذكر من أجل تحريم النساء، ولا تحليلهن، بل ذكر الله صفات المؤمنين التي يدخلون بها الجنة، فذكر من جملتها حفظ الفرج، فاستطرد أنه لا يلزم حفظه عن الزوجة والسرية. وقد تقرر في الأصول: أن أخذ الأحكام من مظانها أولى من أخذها، لا من مظانها.