المذكور يرجع لجميعها خلافًا لأبي حنيفة القائل: يرجع إلى الجملة الأخيرة فقط. قال في مراقي السعود:
وكل ما يكون فيه العطف ... من قبل الاستثنا فكلا يقفو
دون دليل العقل أو ذي السمع ... . . . . . . إلخ
وإذا علمت أن المقرر في أصول الأئمة الثلاثة المذكورين رجوع الاستثناء لكل المتعاطفات، وأنه لو قال الواقف في صيغة وقفه: هو وقف على بني تميم، وبني زهرة، والفقراء إلَّا الفاسق منهم، أنه يخرج من الوقف فاسق الجميع، لرجوع الاستثناء إلى الجميع، وأن أبا حنيفة وحده هو القائل برجوعه إلى الجملة الأخيرة فقط. ولذلك لم يقبل شهادة القاذف، ولو تاب وأصلح، وصار أعدل أهل زمانه؛ لأن قوله تعالى: {وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (٤) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا} يرجِع عنده الاستثناء فيه للأخيرة فقط، وهي {وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (٤) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا} أي: فقد زال عنهم اسم الفسق، ولا يقبل رجوعه لقوله تعالى: {وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (٤) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا} فاقبلوا شهادتهم، بل يقول: لا تقبلوا لهم شهادة أبدًا مطلقًا بلا استثناء؛ لاختصاص الاستثناء عنده بالجملة الأخيرة. ولم يخالف أبو حنيفة أصوله في قوله:{وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ} إلى قوله: {إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا} الآية. فإن هذا الاستثناء راجع لجميع الجمل المتعاطفة قبله عند أبي حنيفة، وغيره.
ولكن أبا حنيفة لم يخالف فيه أصله؛ لأن الجمل الثلاث المذكورة جمعت في الجملة الأخيرة التي هي {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (٦٨)} لأن الإِشارة في قوله: (ذلك) راجعة إلى الشرك، والقتل،