والزنى في الجمل المتعاطفة قبله، فشملت الجملة الأخيرة معاني الجمل قبلها، فصار رجوع الاستثناء لها وحدها عند أبي حنيفة، على أصله المقرر مستلزمًا لرجوعه للجميع.
وإذا حققت ذلك فاعلم أن داود يحتج لجواز جمع الأختين بملك اليمين أيضًا برجوع الاستثناء في قوله:{إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} لقوله: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ} فيقول: قوله تعالى: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ} وقوله: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ} يرجع لكل منهما الاستثناء في قوله: {إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} فيكون المعنى: وحرم عليكم أن تجمعوا بين الأختين إلَّا ما ملكت أيمانكم، فلا يحرم عليكم فيه الجمع بينهما، وحرمت عليكم المحصنات من النساء إلَّا ما ملكت أيمانكم، فلا يحرم عليكم.
وقد أوضحنا معنى الاستثناء من المحصنات في محله من هذا الكتاب المبارك. وبهذا تعلم أن احتجاج داود برجوع الاستثناء في قوله:{إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} إلى قوله: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ} جار على أصول المالكية والشافعية والحنابلة، فيصعب عليهم التخلص من احتجاج داود هذا.
قال مقيده عفا الله عنه وغفر له: الذي يظهر لي أن الجواب عن استدلال داود المذكور من وجهين:
الأول منهما: أن في الآية نفسها قرينة مانعة من رجوع الاستثناء إلى قوله: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ} لما قدمنا من أن قوله: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} أي: بالسبي خاصة مع الكفر، وأن المعنى {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} أي: وحرمت