عليكم المتزوجات من النساء، لأن المتزوجة لا تحل لغير زوجها إلَّا ما ملكت أيمانكم بالسبي مع الكفر، فإن السبي يرفع حكم الزوجية عن المسبية، وتحل لسابيها بعد الاستبراء، كما قال الفرزدق:
وذات حليل أنكحتها رماحنا ... حلال لمن يبني بها لم تطلق
وإذ كان ملك اليمين في قوله:{إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} في السبي خاصة، كما هو مذهب الجمهور كان ذلك مانعًا من رجوعه إلى قوْله:{وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ} لأن محل النزاع في ملك اليمين مطلقًا. وقد قدمنا في سورة النساء أن قول من قال:{إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} مطلقًا، وأن بيع الأمة طلاقها أنه خلاف التحقيق. وأوضحنا الأدلة على ذلك.
الوجه الثاني: هو أن استقراء القرآن يدل على أن الصواب في رجوع الاستثناء لجميع الجمل المتعاطفة قبله أو بعضها يحتاج إلى دليل منفصل، لأن الدليل قد يدل على رجوعه للجميع، أو لبعضها، دون بعض. وربما دل الدليل على عدم رجوعه للأخيرة التي تليه. وإذا كان الاستثناء ربما كان راجعًا لغير الجملة الأخيرة التي تليه، تبين أنه لا ينبغي الحكم برجوعه إلى الجميع إلَّا بعد النظر في الأدلة، ومعرفة ذلك منها. وهذا القول الذي هو الوقف عن رجوع الاستثناء إلى الجميع، أو بعضها المعين، دون بعض إلَّا بدليل مروي عن ابن الحاجب من المالكية، والغزالي من الشافعية، والآمدي من الحنابلة. واستقراء القرآن يدل على أن هذا القول هو الأصح؛ لأن الله يقول:{فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} الآية، وإذا رددنا هذه المسألة إلى الله وجدنا القرآن دالًا على صحة هذا القول، وبه يندفع أيضًا استدلال داود.