فمن الآيات الدالة على ذلك قوله تعالى:{فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا} فالاستثناء راجع للدية، فهي تسقط بتصدق مستحقها بها، ولا يرجع لتحرير الرقبة قولًا واحدًا؛ لأن تصدق مستحق الدية بها لا يسقط كفارة القتل خطأ.
ومنها: قوله تعالى: {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (٤) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا} الآية، فالاستثناء لا يرجع لقوله:{فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} لأن القاذف إذا تاب لا تسقط توبته حد القذف.
وما يروى عن الشعبي من أنها تسقطه خلاف التحقيق الذي هو مذهب جماهير العلماء.
ومنها: قوله تعالى: {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (٨٩) إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ} فالاستثناء في قوله: {إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ} الآية، لا يرجع قولًا واحدًا إلى الجملة الأخيرة التي تليه، أعني قوله تعالى: {وَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (٨٩)} لأنه لا يجوز اتخاذ ولي ولا نصير من الكفار أبدًا ولو وصلوا إلى قوم بينكم، وبينهم ميثاق، بل الاستثناء راجع للأخذ والقتل في قوله:{فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ} والمعنى: فخذوهم بالأسر واقتلوهم إلَّا الذين يصلون إلى قوم بينكم، وبينهم ميثاق، فليس لكم أخذهم بأسر، ولا قتلهم؛ لأن الميثاق الكائن لمن وصلوا إليهم يمنع من أسرهم، وقتلهم كما اشترطه هلال بن عويمر الأسلمي في صلحه مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ، كما ذكروا أن هذه الآية نزلت فيه، وفي سراقة بن مالك المدلجي، وفي بني جذيمة بن عامر، وإذا كان الاستثناء ربما لم يرجع لأقرب الجمل