إليه في القرآن العظيم الذي هو في الطرف الأعلى من الإِعجاز تبين أنه ليس نصًّا في الرجوع إلى غيرها.
ومن ذلك أيضًا قوله تعالى: {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا (٨٣)} على ما قاله جماعات من المفسرين؛ لأنه لولا فضل الله ورحمته لاتبعوا الشيطان كلا بدون استثناء، قليل أو كثير كما ترى.
واختلفوا في مرجع هذا الاستثناء، فقيل: راجع لقوله: {أَذَاعُوا بِهِ} وقيل: راجع لقوله: {لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} وإذا لم يرجع للجملة التي تليه، لم يكن نصا في رجوعه لغيرها.
وقيل: إن هذا الاستثناء راجع للجملة التي تليه، وأن المعنى: ولولا فضل الله عليكم ورحمته بإرسال محمد - صلى الله عليه وسلم - لاتبعتم الشيطان في الاستمرار على ملة آبائكم من الكفر، وعبادة الأوثان إلَّا قليلًا كمن كان على ملة إبراهيم في الجاهلية، كزيد بن نفيل، وقس بن ساعدة، وورقة بن نوفل، وأمثالهم.
وذكر ابن كثير أن عبد الرزاق روى عن معمر، عن قتادة في قوله: {لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا (٨٣)} معناه: لاتبعتم الشيطان كلكم. قال: والعرب تطلق القلة، وتريد بها العدم. واستدل قائل هذا القول بقول الطرماح بن حكيم يمدح يزيد بن المهلب:
أشم ندى كثير النوادي ... قليل المثالب والقادحه
يعني: لا مثلبة فيه، ولا قادحة. وهذا القول ليس بظاهر كل الظهور، وإن كانت العرب تطلق القلة في لغتها، وتريد بها العدم