وبناء الاسم على الفعالة يدل على القلة كقلامة الظفر، ونحاتة الشيء المنحوت، وهي ما يتساقط منه عند النحت. والمراد بخلق الإِنسان من سلالة الطين: خلق أبيهم آدم منه، كما قال تعالى:{إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ}.
وقد أوضحنا فيما مضى أطوار ذلك التراب، وأنه لما بُلَّ بالماء صار طينًا، ولما خمر صار طينًا لازبًا يلصق باليد، وصار حمأ مسنونًا. قال بعضهم: طينًا أسود منتنًا، وقال بعضهم: المسنون: المصور، كما تقدم إيضاحه في سورة الحجر، ثم لما خلقه من طين خلق منه زوجه حواء، كما قال في أول النساء:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا} وقال في الأعراف: {وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا} وقال في الزمر: {ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا} كما تقدم إيضاح ذلك كله، ثم لما خلق الرجل والمرأة كان وجود جنس الإِنسان منهما عن طريق التناسل، فأول أطواره: النطفة، ثم العلقة. . . إلخ. وقد بينا أغلب ذلك في أول سورة الحج.
وقوله هنا {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالةٍ مِنْ طِينٍ (١٢)} يعني: بدأه خلق نوع الإِنسان بخلق آدم، وقوله:{ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً} أي: بعد خلق آدم وحواء، فالضمير في قوله: ثم جعلناه لنوع الإِنسان الذي هو النسل؛ لدلالة المقام عليه، كقولهم: عندي درهم ونصفه، أي: نصف درهم آخر. كما أوضح تعالى هذا المعنى في سورة السجدة في قوله تعالى: {ذَلِكَ عَالِمُ الْغَيبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (٦) الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ (٧) ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلَالةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ (٨) ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ (٩)} وأشار إلى ذلك بقوله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ