خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ (٢٠)} وما ذكره هنا من أطوار خلقه الإنسان أمر كل مكلف أن ينظر فيه. والأمر المطلق يقتضي الوجوب إلَّا لدليل صارف عنه، كما أوضحناه مرارًا. وذلك في قوله: {فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ (٥) خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ (٦)} الآية. وقد أشار في آيات كثيرة إلى كمال قدرته بنقله الإنسان في خلقه من طور إلى طور، كما أوضحه هنا، وكما في قوله تعالى: {مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا (١٣) وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا (١٤)} وبين أن انصراف خلقه عن التفكر في هذا، والاعتبار به مما يستوجب التساؤل والعجب، وأن من غرائب صنعه وعجائب قدرته نقله الإنسان من النطفة، إلى العلقة، ومن العلقة إلى المضغة إلخ مع أنه لم يشق بطن أمه، بل هو مستتر بثلاث ظلمات: وهي ظلمة البطن، وظلمة الرحم، وظلمة المشيمة المنطوية على الجنين، وذلك في قوله جل وعلا: {يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (٦)} فتأمل معنى قوله: {فَأَنَّى تُصْرَفُونَ} أي: عن هذه العجائب والغرائب التي فعلها فيكم ربكم ومعبودكم. وقال تعالى:{هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ} وقال: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ} ثم ذكر الحكمة فقال: {لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ} أي: لنظهر لكم بذلك عظمتنا، وكمال قدرتنا، وانفرادنا بالإلهية، واستحقاق العبادة. وقال في سورة المؤمن:{هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا} وقال تعالى: {أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى (٣٦) أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى (٣٧) ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى (٣٨) فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (٣٩) أَلَيْسَ ذَلِكَ