بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى (٤٠)} والآيات بمثل هذه كثيرة. وقد أبهم هذه الأطوار المذكورة في قوله: {كَلَّا إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ (٣٩)} وذلك الإبهام يدل على ضعفهم وعظمة خالقهم جل وعلا، فسبحانه جل وعلا ما أعظم شأنه وما أكمل قدرته، وما أظهر براهين توحيده.
وقد بين في آية المؤمنون هذه: أنه يخلق المضغة عظامًا، وبين في موضع آخر: أنه يركب بعض تلك العظام مع بعض، تركيبًا قويًّا، ويشد بعضها مع بعض، علي أكمل الوجوه وأبدعها، وذلك في قوله:{نَحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ} الآية. والأسر: شد العظام بعضها مع بعض، وتآسير السرج ومركب المرأة السيور التي يشد بها، ومنه قول حميد بن ثور:
وما دخلت في الخدب حتى تنقضت ... تآسير أعلى قده وتحطما
وفي صحاح الجوهري: أسر قتبه يأسره أسرًا شده بالأسار، وهو القد، ومنه سمي الأسير، وكانوا يشدونه بالقد. فقول بعض المفسرين واللغويين: أسرهم، أي: خلقهم فيه قصور في التفسير؛ لأن الأسر هو الشد القوي بالأسار الذي هو القد، وهو السير المقطوع من جلد البعير ونحوه الذي لم يدبغ. واللَّه جل وعلا يشد بعض العظام ببعض شدًّا محكمًا متماسكًا كما يشد الشيء بالقد، والشد به قوي جدًّا.
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: {فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (١٣)} القرار هنا: مكان الاستقرار، والمكين: المتمكن. وصف القرار به لتمكنه في نفسه بحيث لا يعرض له اختلال، أو لتمكن من يحل فيه. قاله أبو حيان في البحر.
وقال الزمخشري: القرار: المستقر، والمراد به: الرحم،