بين تعالى في هذه الآية الكريمة: أنه بعد إرسال نوح والرسول المذكور بعده أرسل رسله تترى، أي: متواترين واحدًا بعد واحد، وكل متتابع متتال تسميه العرب متواترًا. ومنه قول لبيد في معلقته:
يعلو طريقة متنها متواتر ... في ليلة كفر النجوم غمامها
يعني: مطرًا متتابعًا، أو غبار ريح متتابعًا. وتاء تترى مبدلة من الواو. وأنه كل ما أرسل رسولًا إلى أمة كذبوه فأهلكهم، وأتبع بعضهم بعضًا في الإِهلاك المستأصل بسبب تكذيب الرسل. وهذا المعنى المذكور في هذه الآية الكريمة جاء موضحًا في آيات كثيرة. وقد بينت آية استثناء أمة واحدة من هذا الإِهلاك المذكور.
أما الآية التي بينت استثناء أمة واحدة من هذه الأمم فهي قوله تعالى:{فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} الآية. وظاهر آية الصافات أنهم آمنوا إيمانًا حقًّا، وأن الله عاملهم به معاملة المؤمنين، وذلك في قوله في يونس: {وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ (١٤٧) فَآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ (١٤٨)} لأن ظاهر إطلاق قوله: (فآمنوا) يدل على ذلك. والعلم عند الله تعالى.