ومن الأمم التي نص على أنه أهلكها وجعلها أحاديث سبأ؛ لأنه تعالى قال فيهم:{فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ} الآية وقوله: {فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ} أي: أخبارًا وقصصًا يسمر بها، ويتعجب منها، كما قال ابن دريد في مقصورته:
وإنما المرء حديث بعده ... فكن حديثًا حسنًا لمن وعى
وقرأ هذا الحرف ابن كثير، وأبو عمرو:(تترًا) بالتنوين. وهي لغة كنانة، والباقون بألف التأنيث المقصورة من غير تنوين. وهي لغة أكثر العرب. وسهل نافع، وابن كثير، وأبو عمرو الهمزة الثانية من قوله:(جاء أمة)، وقرأها الباقون بالتحقيق، كما هو معلوم.
وقوله: {فَبُعْدًا لِقَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ (٤٤)} مصدر لا يظهر عامله، وقد بعد بعدًا بفتحتين، وبعدًا بضم فسكون، أي: هلك، فقوله: بعدًا، أي: هلاكًا مستأصلًا، كما قال تعالى: {أَلَا بُعْدًا لِمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ (٩٥)} قال الشاعر:
قل الغناء إذا لاقى الفتى تلفا ... قول الأحبة لا تبعد وقد بعدا
وقد قال سيبويه: إن بعدًا وسحقًا ودفرًا، أي: نتنًا من المصادر المنصوبة بأفعال لا تظهر. اهـ. ومن هذا القبيل قولهم: سقيًا ورعيًا، كقول نابغة ذبيان:
نبئت نعمًا على الهجران عاتية ... سقيًا ورعيًا لذلك العاتب الزاري
والأحاديث في قوله:(فجعلناهم أحاديث) في مفرده وجهان معروفان.
أحدهما: أنه جمع حديث كما تقول: هذه أحاديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، تريد بالأحاديث جمع حديث. وعلى هذا فهو من