واجب متى ما أمكن؛ لأن إعمال الدليلين أولى من إلغاء أحدهما. ووجه الجمع المذكور هو حمل الأحاديث التي فيها التراخي عن إقامة الحد بعد صدور الإِقرار مرة على من كان أمره ملتبسًا في صحة عقله، واختلاله، وفي سكره، وصحوه من السكر، ونحو ذلك. وحمل أحاديث إقامة الحد بعد الإِقرار مرة واحدة على من عرفت صحة عقله، وصحوه من السكر، وسلامة إقراره من المبطلات. وهذا الجمع رجحه الشوكاني في نيل الأوطار.
ومما يؤيده أن جميع الروايات التي يفهم منها اشتراط الأربع كلها في قصة ماعز. وقد دلت روايات حديثه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان لا يدري أمجنون هو أم لا؟ صاح هو أو سكران؟ بدليل قوله له في الحديث المتفق عليه المذكور آنفًا: أبك جنون، وسؤاله - صلى الله عليه وسلم - لقومه عن عقله، وسؤاله - صلى الله عليه وسلم - أشرب خمرًا، فقام رجل فاستنكهه فلم يجد منه ريح خمر، وكل ذلك ثابت في الصحيح، وهو دليل قوي على الجمع بين الأحاديث كما ذكرنا. والعلم عند الله تعالى.
فروع تتعلق بهذه المسألة
الفرع الأول: اعلم أن الظاهر اشتراط التصريح بموجب الحد الذي هو الزنى تصريحًا ينفي كل احتمال، لأن بعض الناس قد يطلق اسم الزنى على ما ليس موجبًا للحد.
ويدل لهذا قوله - صلى الله عليه وسلم - لماعز لما قال: إنه زنى: لعلك قبلت أو غمزت أو نظرت؟ قال: لا. قال: أفنكتها، لا يكني، قال: نعم. قال: فعند ذلك أمر برجمه. وهذا ثابت في صحيح البخاري وغيره