للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال مقيده عفا الله عنه، وغفر له: وجوب الحد عليه بإقراره لا ينبغي العدول عنه، ولا يمكن أن يصح خلافه لأمرين:

الأول: أنه أقر على نفسه بالزنا إقرارًا صحيحًا، وقولهم: إننا صدقناها ليس بصحيح، بل نحن لم نصدقها، ولم نقل: إنها صادقة، ولكن انتفاء الحد عنها إنما وقع؛ لأنها لم تقر، ولم تقم عليها بينة، فعدم حدها لانتفاء مقتضيه؛ لا لأنها صادقة كما ترى.

الأمر الثاني: ما رواه أبو داود في سننه: حدثنا عثمان بن أبي شيبة، ثنا طلق بن غنام، ثنا عبد السلام بن حفص، ثنا أبو حازم، عن سهل بن سعد، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : أن رجلًا أتاه، فأقر عنده أنه زنى بامرأة سماها له، فبعث النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى المرأة، فسألها عن ذلك، فأنكرت أن تكون زنت فجلده الحد وتركها. اهـ منه. وعبد السلام المذكور في هذا الإِسناد وثقه ابن معين، وتوثيقه له أولى من قول أبي حاتم الرازي: إنه غير معروف؛ لأن من حفظ حجة على من لم يحفظ.

والحديث المذكور نص في أن المقر يقام عليه الحد، وهو واضح؛ لأن من أقر على نفسه بالزنا لا نزاع في وجوب الحد عليه. وأما كونه يحد مع ذلك حد القذف فظاهر أيضًا، ويدل عليه عموم قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} الآية، والأخذ بعموم النصوص واجب إلَّا بدليل مخصص يجب الرجوع إليه. وكون حديث سهل بن سعد الساعدي الذي ذكرناه آنفًا عند أبي داود ليس فيه أن النبي حد الرجل المذكور حد القذف، بل حد الزنا فقط لا يعارض به عموم النصوص.