للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رجحوا أدلتهم بأنها متأخرة عن حديث عبادة بن الصامت الذي فيه التصريح بالجمع بين الرجم والجلد، والعمل بالمتأخر أولى.

والحق أنها متأخرة عن حديث عبادة المذكور، كما يدل عليه قوله - صلى الله عليه وسلم - : "قد جعل الله لهن سبيلًا"، فهو دليل على أن حديث عبادة هو أول نص ورد في حد الزنا، كما هو ظاهر من الغاية في قوله تعالى: {حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا (١٥)}.

قالوا: ومن أصرح الأدلة في أن الجمع بين الجلد والرجم منسوخ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في قصة العسيف الذي زنى بامرأة الرجل الذي كان أجيرًا عنده: "والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله" وهذا قسم منه - صلى الله عليه وسلم - أنه يقضي بينهما بكتاب الله، ثم قال في الحديث الذي أقسم على أنه قضاء بكتاب الله: "واغد يا أنيس إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها"، قالوا: إن قوله: "فإن اعترفت" شرط، وقوله: "فارجمها" جزاء هذا الشرط، فدل الربط بين الشرط وجزائه على أن جزاء اعترافها هو الرجم وحده، وأن ذلك قضاء بكتاب الله تعالى.

وهذا دليل من لفظ النبي الصريح على أن جزاء اعترافها بالزنا هو رجمها فقط، فربط هذا الجزاء بهذا الشرط، أقسم النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قضاء بكتاب الله، وهو متأخر عن حديث عبادة لما قدمنا.

وهذا الدليل أيضًا قوي جدًّا؛ لأن فيه إقسامه - صلى الله عليه وسلم - بأن الاعتراف بالزنا من المحصن يترتب عليه الرجم، ولا يخلو هذا الحديث من أحد أمرين: إما أن يكون - صلى الله عليه وسلم - اقتصر على قوله: فارجمها، أو يكون قال مع ذلك: فاجلدها، وترك الراوي الجلد. فإن كان قد اقتصر على الرجم، فذلك يدل على نسخ الجلد؛ لأنه جعل جزاء الاعتراف