وقول ابن القيم رحمه الله في كلامه هذا:"وليس هذا من باب دلالة المفهوم فإن الأبضاع في الأصل على التحريم فيقتصر في إباحتها على ما ورد به الشرع وما عداه في أصل التحريم" يقال فيه: إن تزويج الزانية وردت نصوص عامة تقتضي جوازه، كقوله تعالى:{وَأُحِلَّ لَكمُ مَا وَرَاءِ ذَلِكُمْ} وهو شامل بعمومه للزانية والعفيفة والزاني والعفيف، وقوله:{وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ} فهو أيضًا شامل بعمومه لجميع من ذكر، ولذا قال سعيد بن المسيب: إن آية {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى} الآية ناسخة لقوله تعالى: {الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً} الآية. وقال الشافعي: القول في ذلك كما قال سعيد من نسخها بها.
وبما ذكرنا يتضح أن دلالة قوله:{مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ} على المقصود من البحث من باب دلالة المفهوم كما أوضحناه قريبًا؛ لأن العمومات المذكورة لا يصح تخصيص عمومها إلَّا بدليل منطوقًا كان أو مفهومًا كما تقدم إيضاحه.
وأما قول سعيد بن المسيب والشافعي بأن آية {الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً} منسوخة بقوله: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ} فهو مستبعد؛ لأن المقرر في أصول الشافعي ومالك وأحمد هو أنَّه لا يصح نسخ الخاص بالعام، وأن الخاص يقضي على العام مطلقًا، سواء تقدم نزوله عنه أو تأخر، ومعلوم أن آية {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ} الآية، أعم مطلقًا من آية {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ} الآية، فالقول بنسخها لها ممنوع على المقرر في أصول الأئمة الثلاثة المذكورين، وإنَّما يجوز ذلك على المقرر في أصول أبي حنيفة رحمه الله، كما قدمنا إيضاحه في سورة الأنعام.
وقد يجاب عن قول سعيد، والشافعي بالنسخ بأنهما فهماه من