الفرع الثاني: اعلم أن أظهر قولي أهل العلم عندي أنَّه لا يجوز نكاح المرأة الحامل من الزنا قبل وضع حملها، بل لا يجوز نكاحها، حتَّى تضع حملها، خلافًا لجماعة من أهل العلم. قالوا: يجوز نكاحها وهي حامل، وهو مروي عن الشافعي وغيره، وهو مذهب أبي حنيفة؛ لأن نكاح الرجل امرأة حاملًا من غيره فيه سقي الزرع بماء الغير، وهو لا يجوز، ويدل لذلك قوله تعالى:{وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} ولا يخرج من عموم هذه الآية إلَّا ما أخرجه دليل يجب الرجوع إليه، فلا يجوز نكاح حامل حتَّى ينتهي أجل عدتها، وقد صرح الله بأن الحوامل أجلهن أن يضعن حملهن، فيجب استصحاب هذا العموم، ولا يخرج منه إلَّا ما أخرجه دليل من كتاب أو سنَّة.
الفرع الثالث: اعلم أن أظهر قولي أهل العلم عندي أن الزانية والزاني إن تابا من الزنا وندما على ما كان منهما ونويا أن لا يعودا إلى الذنب، فإن نكاحهما جائز، فيجوز له أن ينكحها بعد توبتهما، ويجوز نكاح غيرهما لهما بعد التوبة؛ لأن التائب من الذنب كمن لا ذنب له، ويدل لهذا قوله تعالى: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (٦٨) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (٦٩) إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (٧٠)} فقد صرح جلَّ وعلا في هذه الآية أن الذين يزنون ومن ذكر معهم إن تابوا وآمنوا، وعملوا عملًا صالحًا يبدل الله سيئاتهم حسنات، وهو يدل على أن التوبة من الزنا تذهب أثره. فالذين قالوا: إن من زنا بامرأة لا تحل له مطلقًا ولو تابا وأصلحا