فقولهم خلاف التحقيق. وقد وردت آثار عن الصحابة بجواز تزويجه بمن زنى بها إن تابا. وضرب له بعض الصحابة مثلًا برجل سرق شيئًا من بستان رجل آخر، ثم بعد ذلك اشترى البستان، فالذي سرقه منه حرام عليه، والذي اشتراه منه حلال له، فكذلك ما نال من المرأة حرامًا فهو حرام عليه، وما نال منها بعد التوبة، والتزويج حلال له. والعلم عند الله تعالى.
واعلم أن قول من رد الاستدلال بآية {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ} الآية. قائلًا: إنها نزلت في الكفار لا في المسلمين، يرد قوله أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، كما أوضحنا أدلته من السنَّة الصحيحة مرارًا. والعلم عند الله تعالى.
الفرع الرابع: اعلم أن الذين قالوا بجواز نكاح العفيف الزانية، لا يلزم من قولهم أن يكون زوج الزانية العفيف ديوثًا؛ لأنه إنما يتزوجها ليحفظها، ويحرسها ويمنعها من ارتكاب ما لا ينبغي منعًا باتًا بأن يراقبها دائمًا، وإذا خرج ترك الأَبواب مقفلة دونها، وأوصى بها من يحرسها بعده، فهو يستمتع بها، مع شدة الغيرة والمحافظة عليها من الريبة، وإن جرى منها شيء لا علم له به مع اجتهاده في صيانتها وحفظها فلا شيء عليه فيه، ولا يكون ديوثًا كما هو معلوم.
وقد علمت مما مر أن أكثر أهل العلم على جواز نكاح العفيف الزانية كعكسه، وأن جماعة قالوا بمنع ذلك.
والأظهر لنا في هذه المسألة أن المسلم لا ينبغي له أن يتزوج إلَّا عفيفة صينة؛ للآيات التي ذكرنا، والأحاديث. ويؤيده حديث "فاظفر بذات الدين تربت يداك" والعلم عند الله تعالى.