تعالى:{الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً} الآية. وقوله:{الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} فذكر المحصنات بعد ذكر الزواني يدل على إحصانهن، أي: عفتهن عن الزنى، وأن الذين يرمونهن إنما يرمونهن بالزنى. وقد قدمنا جميع المعاني التي تراد بالمحصنات في القرآن، ومثلنا لها كلها من القرآن في سورة النساء في الكلام على قوله تعالى:{وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} فذكرنا أن من المعاني التي تراد بالمحصنات كونهن عفائف غير زانيات، كقوله:{مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ} أي: عفائف غير زانيات، ومن هذا المعنى قوله تعالى:{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} أي: العفائف، وإطلاق المحصنات على العفائف معروف في كلام العرب. ومنه قول جرير:
فلا تأمنن الحي قيسا فإنهم ... بنو محصنات لم تدنس حجورها
وإطلاق الرمي على رمي الشخص لآخر بلسانه بالكلام القبيح معروف في كلام العرب. ومنه قول عمرو بن أحمر الباهلي:
رماني بأمر كنت منه ووالدي ... بريئًا ومن أجل الطويّ رماني
فقوله: رماني بأمر: يعني أنَّه رماه بالكلام القبيح.
وفي شعر امرئ القيس أو غيره:
• وجرح اللسان كجرح اليد *
واعلم أن هذه الآية الكريمة مبينة في الجملة من ثلاث جهات:
الجهة الأولى: هي القرينتان القرآنيتان الدالتان على أن المراد بالرمي في قوله: (يرمون المحصنات)، هو الرمي بالزنى، أو ما يستلزمه كنفي النسب، كما أوضحناه قريبًا.
الجهة الثانية: هي أن عموم هذه الآية ظاهر في شموله لزوج