وحاصل كلام القرطبي المذكور: أن من أدلة القائلين بوجوب الحد بالتعريض آيات قرآنية، وبين وجه دلالتها على ذلك كما رأيته، وذكر أن من أدلتهم أن المعرة اللاحقة للمقذوف صريحًا تلحقه بالتعريض له بالقذف، ولذلك يلزم استواؤهما، وذكر أن من أدلتهم أن المعول على الفهم، والتعريض يفهم منه القذف، فيلزم أن يكون كالصريح.
ومن أدلتهم على أن التعريض يجب به الحد بعض الآثار المروية عن بعض الخلفاء الراشدين.
قال ابن قدامة في المغني: لأن عمر رضي الله عنه حين شاورهم في الذي قال لصاحبه: ما أنا بزان، ولا أمي بزانية. فقالوا: قد مدح أباه، وأمه. فقال عمر: قد عرض بصاحبه وجلده الحد. وقال معمر: إن عمر كان يجلد الحد في التعريض. وروى الأثرم أن عثمان رضي الله عنه جلد رجلًا قال لآخر: يا ابن شامة الوذر يعرض له بزنى أمه. والوذر: غدر اللحم، يعرض له بكمر الرجال. وانظر أسانيد هذه الآثار.
ومن أدلة أهل هذا القول أن الكناية مع القرينة الصارفة إلى أحد محتملاتها كالصريح الذي لا يحتمل إلَّا ذلك المعنى، ولذلك وقع الطلاق بالكناية، فإن لم يكن ذلك في حال الخصومة، ولا وجدت قرينة تصرف إلى القذف، فلا شك في أنَّه لا يكون قذفًا. انتهى من المغني.
ثم قال صاحب المغني: وذكر أَبو بكر عبد العزيز: أن أبا عبد الله رجع عن القول بوجوب الحد في التعريض. يعني بأبي عبد الله الإِمام أحمد رحمه الله.