وقوله:{قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ} إلى غير ذلك من الآيات. وبين تعالى أن المقتول ليس بغالب، بل هو قسم مقابل للغالب بقوله:{وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ} فاتضح من هذه الآيات أن القتل ليس واقعا على النبي المقاتل؛ لأن الله كتب وقضى له في أزله أنه غالب، وصرح بأن المقتول غير غالب. وقد حقق العلماء أن غلبة الأنبياء على قسمين، غلبة بالحجة والبيان، وهي ثابتة لجميعهم، وغلبة بالسيف والسنان، وهي ثابتة لخصوص الذين أمروا منهم بالقتال في سبيل الله؛ لأن من لم يؤمر بالقتال ليس بغالب ولا مغلوب؛ لأنه لم يغالب في شيء، وتصريحه تعالى بأنه كتب إن رسله غالبون شامل لغلبتهم من غالبهم بالسيف، كما بينا أن ذلك هو معنى الغلبة في القرآن، وشامل أيضا لغلبتهم بالحجة والبيان، فهو مبين أن نصر الرسل المذكور في قوله:{إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا} الآية، وفي قوله: {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ (١٧١) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ (١٧٢)} أنه نصر غلبة بالسيف والسنان للذين أمروا منهم بالجهاد؛ لأن الغلبة التي بين أنها كتبها لهم أخص من مطلق النصر، لأنها نصر خاص، والغلبة لغة القهر، والنصر لغة إعانة المظلوم، فيجب بيان هذا الأعم بذلك الأخص.
وبهذا تعلم أن ما قاله الإمام الكبير ابن جرير -رحمه الله- ومن تبعه في تفسير قوله:{إِنَّا لَنَنْصُرُ} الآية: من أنه لا مانع من قتل الرسول المأمور بالجهاد، وأن نصره المنصوص في الآية، حينئذ يحمل على أحد أمرين:
أحدهما: أن الله ينصره بعد الموت، بأن يسلط على من قتله