وفائدة الخلاف أنَّه إن كان حقًا للَّه تعالى وبلغ الإِمام أقامه وإن لم يطلب ذلك المقذوف، ونفعت القاذف التوبة فيما بينه وبين الله تعالى، ويتشطر فيه الحد بالرق كالزنا، وإن كان حقًا للآدمي، فلا يقيمه الإِمام إلَّا بمطالبة المقذوف، ويسقط بعفوه، ولم تنفع القاذف التوبة حتَّى يحلله المقذوف. اهـ كلام القرطبي.
ومذهب مالك وأصحابه كأنه مبني على القول الثالث، وهو أن الحد يسقط بعفو المقذوف قبل بلوغ الإِمام، فإن بلغ الإِمام، فلا يسقطه عفوه إلَّا إذا ادعى أنَّه يريد بالعفو الستر على نفسه.
قال مقيده عفا الله عنه وغفر له: الظاهر أن القذف حق للآدمي وكل حق للآدمي فيه حق للَّه.
وإيضاحه: أن حد القذف حق للآدمي من حيث كونه شرع للزجر عن عرضه، ولدفع معرة القذف عنه. فإذا تجرأ عليه القاذف انتهك حرمة عرض المسلم، فكان للمسلم عليه حق بانتهاك حرمة عرضه، وانتهك أيضًا حرمة نهي الله عن وقوعه في عرض مسلم، فكان للَّه حق على القاذف بانتهاكه حرمة نهيه، وعدم امتثاله، فهو عاص للَّه مستحق لعقوبته، فحق الله يسقط بالتوبة النصوح، وحق المسلم يسقط لإقامة الحد، أو بالتحلل منه.
والذي يظهر على هذا التفصيل أن المقذوف إذا عفا وسقط الحد بعفوه أن للإِمام تعزير القاذف لحق الله. واللَّه جلَّ وعلا أعلم.
المسألة الحادية عشرة: قال القرطبي: إن تمت الشهادة على الزاني بالزنا ولكن الشهود لم يعدلوا، فكان الحسن البصري، والشعبي يريان ألا حد على الشهود، ولا على المشهود عليه، وبه قال أحمد، والنعمان، ومحمد بن الحسن.