الأشدق علمت أنَّه لا دلالة فيه. وكذلك احتجاجهم بما ثبت في الصحيح من أنه - صلى الله عليه وسلم - "أمر بقتل ابن خطل وهو متعلق بأستار الكعبة" لأن أمره بقتله وهو متعلق بأستار الكعبة في نفس الوقت الذي أحل الله له فيه الحرم، وقد صرح النبي - صلى الله عليه وسلم - أن حرمتها عادت كما كانت، ففعله - صلى الله عليه وسلم - في وقت إحلال الحرم له ساعة من نهار لا دليل فيه بعد انقضاء وقت الإِحلال ورجوع الحرمة كما ترى.
وأما الذين منعوا القتل في الحرم دون ما سواه من الحدود التي لا قتل فيها والقصاص في غير النفس، فقد احتجوا بأن الحديث الصحيح الذي هو حديث أبي شريح المتفق عليه فيه "لا يحل لامرئ يؤمن باللَّه واليوم الآخر أن يسفك بها دمًا" الحديث. قالوا تصريحه - صلى الله عليه وسلم - بالنهي عن سفك الدم، دون غيره دليل على أنَّه ليس كغيره، ولا يقاس غيره عليه؛ لأن النفس أعظم حرمة مما لا يستوجب القتل من حد أو قصاص في غير النفس، فيبقى غير القتل داخلًا في عموم النصوص المقتضية له في كل مكان وزمان، ويخرج خصوص القتل من تلك العمومات بهذا الحديث الصحيح، ويؤيده أن قوله:"دمًا" نكرة في سياق النفي، وهي من صيغ العموم، فيشمل العموم المذكور إراقة الدم في قصاص أو حد أو غير ذلك.
واستدلوا أيضًا بقول ابن عمر رضي الله عنهما: لو وجدت قاتل عمر في الحرم ما هجته. قال المجد في المنتقى: حكاه أحمد في رواية الأثرم.
وأما الذين قالوا بأن الحرم لا يستوفى فيه شيء من الحدود، ولا من القصاص قتلًا كان أو غيره، فقد استدلوا بقوله:{وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} قالوا: وجملة: (ومن دخله كان آمنًا) خبر أريد به الإِنشاء