عاصيًا ولا فارًا بدم ولا فارًا بخربة، فهو استدلال في غاية السقوط؛ لأن من ظن أنَّه حديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقد غلط غلطًا فاحشًا؛ لأنه من كلام عمرو بن سعيد المعروف بالأشدق، كما هو صريح في الصحيحين وغيرهما.
قال البخاري رحمه للَّه في صحيحه: حدثنا قتيبة، حدثنا الليث، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبي شريح العدوي أنَّه قال لعمرو بن سعيد - وهو يبعث البعوث إلى مكة -: ائذن لي أيها الأمير أحدثك قولًا قام به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الغد من يوم الفتح، فسمعته أذناي، ووعاه قلبي، وأبصرته عيناي حين تكلم به أنَّه حمد الله، وأثنى عليه ثم قال: إن مكة حرمها الله، ولم يحرمها الناس، فلا يحل لامرئ يؤمن باللَّه واليوم الآخر أن يسفك بها دمًا، ولا يعضد بها شجرة، فإن أحد ترخص لقتال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقولوا له: إن الله أذن لرسوله ولم يأذن لكم، وإنَّما أذن لي ساعة من نهار، وقد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس، وليبلغ الشاهد الغائب. فقيل لأبي شريح: ما قال لك عمرو؟ قال: أنا أعلم بذلك منك يا أبا شريح: إن الحرم لا يعيذ عاصيًا. . . إلى آخره. وهذا صريح في أنَّه من كلام عمرو بن سعيد الأشدق يعارض به أبا شريح لما ذكر له كلام النبي - صلى الله عليه وسلم -. ومعلوم أنَّه لا حجة البتة في كلام الأشدق، ولا سيما في حال معارضته به لحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وإن كان كلامه لا يطابق الجواب عن الحديث الذي ذكره أَبو شريح رضي الله عنه. وفي صحيح مسلم رحمه الله مثل ما في البخاري من حديث أبي شريح إسنادًا ومتنًا.
وإذا تقرر أن القائل: إن الحرم لا يعيذ عاصيًا. . . إلى آخره هو