وقال الشوكاني في نيل الأوطار مشيرًا إلى إقامة الحدود واستيفاء القصاص في الحرم: وقد ذهب إلى ذلك مالك، والشافعي وهو اختيار ابن المنذر. ويؤيد ذلك عموم الأدلة القاضية باستيفاء الحدود في كل مكان وزمان. وذهب الجمهور من الصحابة، والتابعين، ومن بعدهم، والحنفية، وسائر أهل العراق، وأحمد ومن وافقه من أهل الحديث والعترة: إلى أنَّه لا يحل لأحد أن يسفك بالحرم دمًا، ولا يقيم به حدًا حتى يخرج منه من لجأ إليه. اهـ محل الغرض منه.
وإذا عرفت من هذه النقول أقوال أهل العلم في هذه المسألة فهذه أدلتهم ومناقشتها.
أما الذين قالوا: يستوفى منه كل حد في الحرم إن لجأ إليه، كمالك، والشافعي، وابن المنذر، ومن وافقهم، فقد استدلوا بأدلة:
منها: أن نصوص الكتاب والسنَّة الدالة على إقامة الحدود واستيفاء القصاص، ليس في شيء منها تخصيص مكان دون مكان، ولا زمان دون زمان، وظاهرها شمول الحرم وغيره. قالوا: والعمل بظواهر النصوص واجب، ولا سيما إذا كثرت.
ومنها: أن استيفاء القصاص وإقامة الحدود حق واجب بتشريع الله على لسان نبيه - صلى الله عليه وسلم - ، وفعل الواجب الذي هو عين طاعة الله في الحرم ليس فيه أي انتهاك لحرمة الحرم، لأن أحق البلاد بأن يطاع فيها الله بامتثال أوامره هي حرمه، وطاعة الله في حرمه ليس فيها انتهاك كما ترى.
أما استدلال هؤلاء بما في الصحيحين بلفظ: إن الحرم لا يعيذ