بقوله:"مِنْ نَبِيٍّ"، وقتل الأعداء هذا العدد الكثير من الأنبياء المقاتلين في ميدان الحرب مناقض مناقضة صريحة لقوله:{كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي} وقد عرفت معنى الغلبة في القرآن، وعرفت أنه تعالى بين أن المقتول غير الغالب كما تقدم، وهذا الكتاب العزيز ما أنزل ليضرب بعضه بعضا، ولكن أنزل ليصدق بعضه بعضا، فاتضح أن القرآن دل دلالة واضحة على أن نائب الفاعل ربيون، وأنه لم يقتل رسول في جهاد، كما جزم به الحسن البصري، وسعيد بن جبير، والزجاج، والفراء، وغير واحد، وقصدنا في هذا الكتاب البيان بالقرآن، لا بأقوال العلماء، ولذا لم ننقل أقوال من رجح ما ذكرنا.
وما رجح به بعض العلماء كون نائب الفاعل ضمير النبي من أن سبب النزول يدل على ذلك؛ لأن سبب نزولها أن الصائح صاح قتل محمد - صلى الله عليه وسلم -، وأن قوله:{أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِل} يدل على ذلك، وأن قوله:{فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} يدل على أن الربيين لم يقتلوا؛ لأنهم لو قتلوا لما قال عنهم:{فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} الآية. فهو كلام كله ساقط، وترجيحات لا معول عليها، فالترجيح بسبب النزول فيه أن سبب النزول لو كان يقتضي تعيين ذكر قتل النبي لكانت قراءة الجمهور "قاتل" بصيغة الماضي من المفاعلة جارية على خلاف المتعين وهو ظاهر السقوط كما ترى، والترجيح بقوله:{أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ} ظاهر السقوط؛ لأنهما معلقان بأداة الشرط، والمعلق بها لا يدل على وقوع نسبة أصلا، لا إيجابا ولا سلبا حتى يرجح بها غيرها. وإذا نظرنا إلى الواقع في نفس الأمر وجدنا نبيهم - صلى الله عليه وسلم - في ذلك الوقت لم يقتل ولم يمت،