الثاني: أن القرآن جاء في إطلاق الشهادة وإرادة اليمين في قوله: {فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا} ثم بين أن المراد بتلك الشهادة اليمين في قوله: {ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا أَوْ يَخَافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ} فقوله: {أَوْ يَخَافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ} دليل على أن المراد بلفظ الشهادة في الآية اليمين. وهو واضح كما ترى.
وقال القرطبي: ومنه قوله تعالى: {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ} الآية؛ لأن قوله تعالى:{اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً} يدل على أن المراد بشهادتهم الأيمان. هكذا قال. ولا يتعين عندي ما ذكره من الاستدلال بهذه الآية. والعلم عند الله تعالى.
الثالث: ما قاله ابن العربي: قال: والفيصل أنها يمين لا شهادة أن الزوج يحلف لنفسه في إثبات دعواه وتخليصه من العذاب، وكيف يجوز لأحد أن يدعي في الشريعة أن شاهدًا يشهد لنفسه بما يوجب حكمًا على غيره. هذا بعيد في الأصل، معدوم في النظر. اهـ منه بواسطة نقل القرطبي.
وحاصل استدلاله هذا: أن استقراء الشريعة استقراءًا تامًا يدل على أنَّه لم يوجد فيها شهادة إنسان لنفسه بما يوجب حكمًا على غيره. وهو استدلال قوي؛ لأن المقرر في الأصول أن الاستقراء التام حجة كما أوضحناه مرارًا. ودعوى الحنفية ومن وافقهم أن الزوج غير متهم لا يسوغ شهادته لنفسه، لإِطلاق ظواهر النصوص في عدم قبول شهادة الإِنسان لنفسه مطلقًا.