للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يختلف في أن له أن ينفيه بلعان، وإن سكت عن نفيه بعد الوضع، ثم أراد أن ينفيه بعد السكوت، فهل له ذلك أو ليس له، لأن سكوته بعد الوضع يعد رضى منه بالولد، فلا يمكن من اللعان بعده؟ لم أعلم في هذه المسألة نصًا من كتاب، ولا سنَّة. والعلماء مختلفون فيها.

قال القرطبي: قد اختلف في ذلك، ونحن نقول: إذا لم يكن له عذر في سكوته حتى مضت ثلاثة أيام فهو راضٍ به وليس له نفيه، وبهذا قال الشافعي. وقال أيضًا: متى أمكنه نفيه على ما جرت به العادة من تمكنه من الحاكم، فلم يفعل لم يكن له نفيه من بعد ذلك. وقال أَبو حنيفة: لا أعتبر مدة. وقال أَبو يوسف، ومحمد: يعتبر فيه أربعون يومًا مدة النفاس. قال ابن القصار: والدليل لقولنا هو أن نفي ولده محرم عليه، واستلحاق ولد ليس منه محرم عليه، فلا بد أن يوسع عليه لكي ينظر فيه، ويفكر هل يجوز له نفيه أو لا، وإنما جعلنا الحد ثلاثة؛ لأنه أول حد الكثرة، وآخر حد القلة، وقد جعلت ثلاثة أيام يختبر فيها حال المصراة، وكذلك ينبغي أن يكون هنا.

وأما أَبو يوسف ومحمد فليس اعتبارهما بأولى من اعتبار مدة الولادة والرضاع، إذ لا شاهد لهما في الشريعة، وقد ذكرنا نحن شاهدًا في الشريعة من مدة المصراة، انتهى كلام القرطبي. ولا يخفى ضعف ما استدل به ابن القصار من علماء المالكية للتحديد بثلاثة.

قال مقيده عفا الله عنه وغفر له: هذه المسألة مبنية على الاختلاف في قاعدة أصولية، وهي هل ينزل السكوت منزلة الإِقرار أو لا؟. وقد أشار إلى ذلك صاحب مراقي السعود بقوله:

وجعل من سكت مثل من أقر ... فيه خلاف بينهم قد اشتهر