ما يوضحه من الأحاديث الصحيحة في سورة المائدة في الكلام على قوله تعالى:{لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ}.
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة:{وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا} فيه الأمر من الله للمؤمنين إذا أساء إليهم بعض إخوانهم المسلمين أن يعفوا عنه إساءتهم ويصفحوا. وأصل العفو: من عفت الريح الأثر إذا طمسته.
والمعنى: فليطمسوا آثار الإِساءة بحلمهم وتجاوزهم. والصفح، قال بعض أهل العلم: مشتق من صفحة العنق، أي: أعرضوا عن مكافأة إساءتهم حتى كأنكم تولونها بصفحة العنق، معرضين عنها.
وما تضمنته هذه الآية من العفو والصفح جاء مبينًا في مواضع أخر، كقوله تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (١٣٣) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (١٣٤)}. وقد دلت هذه الآية على أن كظم الغيظ والعفو عن الناس من صفات أهل الجنة، وكفى بذلك حثًا على ذلك. ودلت أيضًا: على أن ذلك من الإحسان الذي يحب الله المتصفين به، وكقوله تعالى: {إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا (١٤٩)} وقد بين تعالى في هذه الآية أن العفو مع القدرة من صفاته تعالى، وكفى بذلك حثًا عليه. وكقوله تعالى: {فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ (٨٥)} وكقوله: {وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (٤٣)} إلى غير ذلك من الآيات.