والتكليف لا يقع بغير الفعل، ولا بما لا يطلق كما بينا. قال في مراقي السعود:
ولا يكلف بغير الفعل ... باعث الأنبيا ورب الفضل
وقال أيضًا:
والعلم والوسع على المعروف ... شرط يعم كل ذي تكليف
واعلم أن كلام الأصوليين في مسألة التكليف بما لا يطاق، واختلافهم في ذلك إنما هو بالنسبة إلى الجواز العقلي، والمعنى هل يجيزه العقل أو يمنعه.
أما وقوعه بالفعل فهم مجمعون على منعه كما دلت عليه آيات القرآن، والأحاديث النبوية وبعض الأصوليين يعبر عن هذه المسألة بالتكليف بالمحال هل يجوز عقلًا أو لا؟ أما وقوع التكليف بالمحال عقلًا، أو عادة، فكلهم مجمعون على منعه إن كانت الاستحالة لغير علم الله تعالى بعدم وقوعه أزلًا. ومثال المستحيل عقلًا أن يكلف بالجمع بين الضدين كالبياض، والسواد، أو النقيضين كالعدم والوجود. والمستحيل عادة كتكليف المقعد بالمشي، وتكليف الإِنسان بالطيران ونحو ذلك. فمثل هذا لا يقع التكليف به إجماعًا.
وأما المستحيل لأجل علم الله في الأزل بأنه لا يقع فهو جائز عقلًا، ولا خلاف في التكليف به، فإيمان أبي لهب مثلًا كان الله عالمًا في الأزل بأنه لا يقع كما قال الله تعالى عنه: {سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ (٣)} فوقوعه محال عقلًا؛ لعلم الله في الأزل بأنه لا يوجد؛ لأنه لو وجد لاستحال العلم بعدمه جهلًا، وذلك مستحيل في حقه تعالى. ولكن هذا المستحيل للعلم بعدم وقوعه جائز عقلًا، إذ لا يمنع العقل