إيمان أبي لهب، ولو كان مستحيلًا لما كلفه الله بالإِيمان على لسان نبيه - صلى الله عليه وسلم - ، فالإِمكان عام، والدعوة عامة، والتوفيق خاص.
وإيضاح مسألة الحكم العقلي أنه عند جمهور النظار ثلاثة أقسام:
الأول: الواجب عقلًا.
الثاني: المستحيل عقلًا.
الثالث: الجائز عقلًا.
وبرهان حصر الحكم العقلي في الثلاثة المذكورة أن الشيء من حيث هو شيء، لا يخلو من واحدة من ثلاث حالات: إما أن يكون العقل يقبل وجوده، ولا يقبل عدمه بحال، وإما أن يكون يقبل عدمه ولا يقبل وجوده بحال، وإما أن يكون يقبل وجوده وعدمه معًا. فإن كان العقل يقبل وجوده، دون عدمه فهو الواجب عقلًا، وذلك كوجود الله تعالى متصفًا بصفات الكمال والجلال، فإن العقل السليم لو عرض عليه وجود خالق هذه المخلوقات لقبله، ولو عرض عليه عدمه، وأنها خلقت بلا خالق، لم يقبله، فهو واجب عقلًا. وأما إن كان يقبل عدمه، دون وجوده، فهو المستحيل عقلًا، كشريك للَّه سبحانه وتعالى عن ذلك علوًا كبيرًا، فلو عرض على العقل السليم عدم شريك للَّه في ملكه، وعبادته، لقبله، ولو عرض عليه وجوده لم يقبله بحال، كما قال تعالى:{لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} وقال: {إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ (٩١)} فهو مستحيل عقلًا. وأما إن كان العقل يقبل وجوده وعدمه معًا، فهو الجائز العقلي، ويقال له: الجائز الذاتي، وذلك كإيمان أبي لهب، فإنه لو عرض وجوده على العقل السليم لقبله،