ومن أمثلة هذا: من كان على بدعة من البدع السيئة المخالفة للشرع المستوجبة للعذاب، إذا بث بدعته، وانتشرت في أقطار الدنيا، ثم تاب من ارتكاب تلك البدعة، فندم على ذلك، ونوى ألا يعود إليه أبدًا، مع أن إقلاعه عن بدعته لا قدرة له عليه، لانتشارها في أقطار الدنيا، ولأن من سنَّ سنَّة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة، ففساد بدعته باق.
ومن أمثلته: من غصب أرضًا، ثم سكن في وسطها، ثم تاب من ذلك الغصب نادمًا عليه، ناويًا ألا يعود إليه، وخرج من الأرض المغصوبة بسرعة، وسلك أقرب طريق للخروج منها، فهل تكون توبته صحيحة في وقت سيره في الأرض المغصوبة قبل خروجه منها؛ لأنه فعل في توبته كل ما يقدر عليه، أو لا تكون توبته صحيحة؛ لأن إقلاعه عن الغصب لم يتم ما دام موجودًا في الأرض المغصوبة، ولو كان يسير فيها، ليخرج منها؟
ومن أمثلته: من رمى مسلمًا بسهم، ثم تاب فندم على ذلك، ونوى ألا يعود قبل إصابة السهم للإِنسان الذي رماه به بأن حصلت التوبة والسهم في الهواء في طريقه إلى المرمى، هل تكون توبته صحيحة، لأنه فعل ما يقدر عليه، أو لا تكون صحيحة، لأن إقلاعه عن الذنب، لم يتحقق وقت التوبة، لأن سهمه في طريقه إلى إصابة مسلم؟
فجمهور أهل الأصول على أن توبته في كل الأمثلة صحيحة؛ لأن التوبة واجبة عليه، وقد فعل من هذا الواجب كل ما يقدر عليه، وما لا قدرة له عليه معذور فيه؛ لقوله تعالى:{لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} إلى آخر الأدلة التي قدمناها قريبًا.