للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والشراب الذي فيه السم القاتل لا يستلذه عاقل؛ لما يتبع لذته من عظيم الضرر، وحلاوة المعاصي فيها ما هو أشد من السم القاتل، وهو ما تستلزمه معصية الله جل وعلا من سخطه على العاصي، وتعذيبه له أشد العذاب، وعقابه على المعاصي قد يأتيه في الدنيا فيهلكه، وينغص عليه لذة الحياة. ولا شك أن من جعل أسباب الندم على المعصية وسيلة إلى الندم، أنه يتوصل إلى حصول الندم على المعصية، بسبب استعماله الأسباب التي يحصل بها.

فالحاصل: أنه مكلف بالأسباب المستوجبة للندم، وأنه إن استعملها حصل له الندم، وبهذا الاعتبار كان مكلفًا بالندم، مع أنه انفعال لا فعل.

ومن أمثلة استعمال الأسباب المؤدية إلى الندم على المعصية، قول الشاعر وهو الحسين بن مطير:

فلا تقرب الأمر الحرام فإنه ... حلاوته تفنى ويبقى مريرها

ونقل عن سفيان الثوري رحمه الله أنه كان كثيرًا ما يتمثل بقود الشاعر:

تفنى اللذاذة ممن نال صفوتها ... من الحرام ويبقى الإِثم والعار

تبقى عواقب سوء في مغبتها ... لا خير في لذة من بعدها النار

وأما الإِشكال الذي في الإِقلاع عن الذنب، فحاصله: أن من تاب من الذنب الذي هو متلبس به، مع بقاء فساد ذلك الذنب، أي: أثره السيِّئ هل تكون توبته صحيحة، نظرًا إلى أنه فعل في توبته كل ما يستطيعه وإن كان الإِقلاع عن الذنب لم يتحقق؛ للعجز عن إزالة فساده في ذلك الوقت، أو لا تكون توبته صحيحة، لأن الإِقلاع عن الذنب الذي هو ركن التوبة لم يتحقق؟