وقد أشار صاحب مراقي السعود إلى مسألة التكليف بالمحال وأقوال الأصوليين فيها، وهي اختلافهم في جواز ذلك عقلًا، مع إجماعهم على منعه إن كانت الاستحالة لغير علم الله بعدم الوقوع كالاستحالة الذاتية بقوله:
وجوز التكليف بالمحال ... في الكل من ثلاثة الأحوال
وقيل بالمنع لما قد امتنع ... لغير علم الله أن ليس يقع
وليس واقعًا إذا استحالا ... لغير علم ربنا تعالى
وقوله: وجوز التكليف يعني الجواز العقلي.
وقوله: وقيل بالمنع، أي: عقلًا. ومراده بالثلاثة الأحوال: ما استحال عقلًا وعادة، كالجمع بين النقيضين، وما استحال عادة، كمشي المقعد، وطيران الإِنسان، وإبصار الأعمى، وما استحال لعلم الله بعدم وقوعه.
وإذا عرفت كلام أهل الأصول في هذه المسألة، فاعلم أن التوبة تجب كتابًا وسنَّة وإجماعًا من كل ذنب اقترفه الإِنسان فورًا، وأن الندم ركن من أركانها، وركن الواجب واجب، والندم ليس بفعل، وليس في استطاعة المكلف؛ لأنه انفعال، لا فعل، والانفعالات ليست بالاختيار، فما وجه التكليف بالندم، وهو غير فعل للمكلف، ولا مقدور عليه؟
والجواب عن هذا الإِشكال: هو أن المراد بالتكليف بالندم التكليف بأسبابه التي يوجد بها، وهي في طوق المكلف، فلو راجع صاحب المعصية نفسه مراجعة صحيحة، ولم يحابها في معصية الله لعلم أن لذة المعاصي كلذة الشراب الحلو الذي فيه السم القاتل،