القرائن تقتضي الوجوب، وبذلك تعلم أن الخالية من زوج إذا خطبها كفء ورضيته، وجب على وليها تزويجها إياه، وأنما يقوله بعض أهل العلم من المالكية، ومن وافقهم من أن السيد له منع عبده وأمته من التزويج مطلقًا غير صواب؛ لمخالفته لنص القرآن في هذه الآية الكريمة.
واعلم أن قوله في هذه الآية الكريمة: وإمائكم، بينت آية النساء أن الأمة لا تزوج للحر إلَّا بالشروط التي أشارت إليها الآية. فآية النساء المذكورة مخصصة لعموم آية النور هذه بالنسبة إلى الإِماء وآية النساء المذكورة هي قوله تعالى:{وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ}، إلى قوله تعالى:{ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ} فدلت آية النساء هذه على أن الحر لا يجوز له أن يتزوج المملوكة المؤمنة إلَّا إذا كان غيره مستطيع تزويج حرة لعدم الطول عنده، وقد خاف الزنى، فله حينئذٍ تزوج الأمة بإذن أهلها المالكين لها، ويلزمه دفع مهرها، وهي مؤمنة عفيفة ليست من الزانية ولا متخذات الأخدان، ومع هذا كله فصبره عن تزويجها خير له، وإذا كان الصبر عن تزويجها مع ما ذكرنا من الاضطرار خيرًا له فمع عدمه أولى بالمنع. وبما ذكرنا تعلم أن الصواب قول الجمهور من منع تزويج الحرِّ الأمة إلَّا بالشروط المذكورة في القرآن، كقوله تعالى:{وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا} وقوله: {ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ} أي: الزنى، إلى آخر ما ذكر في الآية، خلافًا لأبي حنيفة القائل بجواز نكاحها مطلقًا إلَّا إذا تزوجها على حرة.
والحاصل: أن قوله تعالى في آية النور هذه: (وإمائكم)