وبذلك تعلم أن قوله تعالى هنا:{وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ} معناه: أنزلناها إليكم لعلكم تذكرون، أي: تتعظون بما فيها من الأوامر والنواهي، والمواعظ. ويدل لذلك قوله تعالى: {وَأَنْزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (١)} فقد صرح في هذه الآية الكريمة بأن من حكم إنزالها أن يتذكر الناس، ويتعظوا بما فيها. ويدل لذلك عموم قوله تعالى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ (٢٩)} وقوله تعالى: {المص (١) كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (٢)} إلى غير ذلك من الآيات.
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة:{وَمَثَلًا مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ} على آيات، أي: أنزلنا إليكم آيات، وأنزلنا إليكم مثلا من الذين خلوا من قبلكم.
قال أبو حيان في البحر المحيط: ومثلًا معطوف على آيات، فيحتمل أن يكون المعنى ومثلا من أمثال الذين من قبلكم، أي: قصة غريبة من قصصهم، كقصة يوسف، ومريم في براءتهما.
وقال الزمخشري: ومثلًا من أمثال من قبلكم، أي: قصة عجيبة من قصصهم كقصة يوسف، ومريم يعني قصة عائشة رضي الله عنها. وما ذكرنا عن أبي حيان والزمخشري ذكره غيرهما.
وإيضاحه: أن المعنى: وأنزلنا إليكم مثلًا، أي: قصة عجيبة غريبة في هذه السور الكريمة، وتلك القصة العجيبة من أمثال الذين خلوا من قبلكم، أي من جنس قصصهم العجيبة. وعلى هذا الذي ذكرنا فالمراد بالقصة العجيبة التي أنزلها إلينا، وعبر عنها بقوله: ومثلًا هي براءة عائشة رضي الله عنها مما رماها به أهل الإِفك، وذلك مذكور في قوله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ} إلى قوله تعالى: {أُولَئِكَ