قال:{وَلَكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآبَاءَهُمْ} أي: طال عليهم العمر، حتى نسوا الذكر أي: نسوا ما أنزله عليهم على ألسنة رسلك من الدعوة إلى عبادتك وحدك، لا شريك لك، وكانوا قومًا بورًا. قال ابن عباس: أي: هلكى، وقال الحسن ومالك عن الزهري: أي: لا خير فيهم. اهـ. الغرض من كلام ابن كثير.
وقال أبو حيان في البحر: ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك من أولياء، أي: ما كان يصح لنا ولا يستقيم. إلى آخر كلامه.
وإذا عرفت ما ذكره جلَّ وعلا في هذه الآية من سؤاله للمعبودين وجوابهم له، فاعلم أن العلماء اختلفوا في المعبودين. فقال بعضهم: المراد بهم الملائكة وعيسى وعزير. قالوا: هذا القول يشهد له القرآن، لأن فيه سؤال عيسى والملائكة عن عبادة من عبدهم، كما قال في الملائكة: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ (٤٠) قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ (٤١)} وقال في عيسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام: {وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَاعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (١١٦)} وجواب الملائكة وجواب عيسى كلاهما شبيه بجواب المعبودين في آية الفرقان هذه؛ ولذلك اختار غير واحد من العلماء أن المعبودين الذين يسألهم الله في سورة الفرقان هذه هم خصوص العقلاء، دون الأصنام.
وقال مقيده عفا الله عنه وغفر له: الأظهر عندي شمول المعبودين المذكورين للأصنام، مع الملائكة وعيسى، وعزير، لأن ذلك تدل عليه قرينتان قرآنيتان.