الأولى: أنه عبر عن المعبودين المذكورين بما التي هي لغير العاقل في قوله: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ} الآية. فلفظة ما تدل على شمول غير العقلاء، وأنه غلب غير العاقل لكثرته.
القرينة الثانية: هي دلالة آيات من كتاب الله على أن المعبودين غافلون عن عبادة من عبدهم، أي: لا يعلمون بها، لكونهم غير عقلاء، كقوله تعالى في سورة يونس: {وَقَالَ شُرَكَاؤُهُمْ مَا كُنْتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ (٢٨) فَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ إِنْ كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ (٢٩)}، وإنما كانوا غافلين عنها لأنهم جماد لا يعقلون. وإطلاق اللفظ المختص بالعقلاء عليهم نظرًا إلى أن المشركين نزلوهم منزلة العقلاء كما أوضحناه في غير هذا الموضع، وكقوله تعالى في الأحقاف: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ (٥) وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ (٦)} فقد دل قوله تعالى {وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ} على أنهم لا يعقلون، ومع ذلك قال: {وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ (٦)} وكقوله تعالى في العنكبوت: {وَقَالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا} الآية. فصرح بأنهم أوثان، ثم ذكر أنهم هم وعبدتهم يلعن بعضهم بعضًا، وكقوله تعالى: {كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا (٨٢)} إلى غير ذلك من الآيات.
وقوله في هذه الآية الكريمة:{حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ} الظاهر أن معنى نسوا تركوا. والأظهر أن الذكر هو ما جاءت به الرسل من التوحيد، وقيل: ذكر الله بشكر نعمه. والأصح أن قوله:(بورًا) معناه