جلَّ وعلا في هذه الآية الكريمة صنعًا في قوله: {لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (٦٣)} أي: وهو تركهم النهي المذكور، والصنع أخص من مطلق الفعل، فصراحة دلالة هذه الآية الكريمة على أن الترك فعل في غاية الوضوح كما ترى.
وأما الآية الثانية فهي قوله تعالى: {كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (٧٩)} فقد سمى جلَّ وعلا في هذه الآية الكريمة: تركهم التناهي عن المنكر فعلًا، وأنشأ له الذم بلفظة بئس التي هي فعل جامد لإِنشاء الذم في قوله: {لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (٧٩)} أي: وهو تركهم التناهي عن كل منكر فعلوه. وصراحة دلالة هذه الآية أيضًا على ما ذكروا واضحة كما ترى.
وقد دلت أحاديث نبوية على ذلك، كقوله - صلى الله عليه وسلم - :"المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده" فقد سمى - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث ترك أذى المسلمين إسلامًا.
ومما يدل من كلام العرب على أن الترك فعل قول بعض الصحابة في وقت بنائه - صلى الله عليه وسلم - لمسجده بالمدينة:
لئن قعدنا والنبي يعمل ... لذاك منا العمل المضلل
فسمى قعودهم عن العمل، وتركهم له عملًا مضللًا.
وقد أشار صاحب مراقي السعود إلى أن الكف فعل على المذهب، أي: وهو الحق. وبين فروعًا مبنية على ذلك نظمها الشيخ الزقاق في نظمه المسمى بالمنهج المنتخب، وأورد أبيات الزقاق في ذلك وقال: وجلبتها هنا على سبيل التضمين، وهذا النوع يسمى استعانة، وهو تضمين بيت فأكثر بقوله:
فكفنا بالنهي مطلوب النبي ... والكف فعل في صحيح المذهب