للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والإطلاق الثاني: مرج بمعنى: خلط، ومنه قوله تعالى: {فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ (٥)} أي: مختلط.

فعلى القول الأول: فالمراد بالبحرين الماء العذب في جميع الدنيا، والماء الملح في جميعها، وقوله: {هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ} يعني به ماء الآبار والأنهار والعيون في أقطار الدنيا، وقوله: {وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ} أي: البحر الملح، كالبحر المحيط، وغيره من البحار التي هي ملح أجاج، وعلى هذا التفسير فلا إشكال.

وأما على القول الثاني بأن مرج بمعنى خلط، فالمعنى: أنه يوجد في بعض المواضع اختلاط الماء الملح والماء العذب في مجرى واحد، ولا يختلط أحدهما بالآخر، بل يكون بينهما حاجز من قدرة الله تعالى. وهذا محقق الوجود في بعض البلاد. ومن المواضع التي هو واقع فيها المحل الذي يختلط فيه نهر السنغال بالمحيط الأطلسي بجنب مدينة سانلويس، وقد زرت مدينا سانلويس عام ست وستين وثلاثمائة وألف هجرية، واغتسلت مرة في نهر السنغال، ومرة في المحيط، ولم آت محل اختلاطهما، ولكن أخبرني بعض المرافقين الثقات أنه جاء إلى محل اختلاطهما، وأنه جالس يغرف بإحدى يديه عذبًا فراتًا، وبالأخرى ملحًا أجاجًا، والجميع في مجرى واحد، لا يختلط أحدهما بالآخر. فسبحانه جل وعلا ما أعظمه، وما أكمل قلم قدرته.

وهذا الذي ذكره جلَّ وعلا في هذه الآية جاء موضحًا في غير هذا الموضع، كقوله تعالى في سور فاطر: {وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ} وقوله تعالى: {مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ (١٩) بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ (٢٠)} أي: لا يبغي أحدهما على الآخر