للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

واعلم أن أظهر الأقوال في هذه الآية الكريمة أن الله مدح عباده الصالحين بتوسطهم في إنفاقهم، فلا يجاوزون الحد بالإِسراف في الإِنفاق، ولا يقترون، أي: لا يضيقون فيبخلون بإنفاق القدر اللازم.

وقال بعض أهل العلم: الإِسراف في الآية: الإِنفاق في الحرام والباطل، والإِقتار منع الحق الواجب، وهذا المعنى وإن كان حقًا فالأظهر في الآية هو القول الأول.

قال ابن كثير رحمه الله: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا} الآية، أي: ليسوا مبذرين في إنفاقهم، فيصرفوا فوق الحاجة، ولا بخلاء على أهليهم، فيقصروا في حقهم فلا يكفوهم، بل عدلًا خيارًا، وخير الأمور أوسطها، لا هذا، ولا هذا. انتهى محل الغرض منه.

وقوله تعالى: {وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا (٦٧)} أي: بين ذلك المذكور من الإِسراف والقتر قوامًا، أي: عدلًا وسطًا سالمًا من عيب الإِسراف والقتر.

وأظهر أوجه الإِعراب عندي في الآية هو ما ذكره القرطبي. قال: وقوامًا خبر كان واسمها مقدر فيها، أي: كان الإِنفاق بين الإِسراف والقتر قوامًا، ثم قال: قاله الفراء. وباقي أوجه الإِعراب في الآية ليس بوجيه عندي، كقول من قال: إن لفظة بين هي اسم كان، وأنها لم ترفع لبنائها بسبب إضافتها إلى مبني، وقول من قال: إن بين هي خبر كان، وقوامًا حال مؤكدة له، ومن قال: إنهما خبران، كل ذلك ليس بوجيه عندي، والأظهر الأول. والظاهر أن التوسط في الإِنفاق الذي مدحهم به شامل لإِنفاقهم على أهليهم، وإنفاقهم المال في أوجه الخير.