للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهذا المعنى الذي دلت عليه هذه الآية الكريمة جاء موضحًا في غير هذا الموضع، فمن ذلك أن الله أوصى نبيه - صلى الله عليه وسلم - بالعمل بمقتضاه في قوله تعالى: {وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ} الآية، فقوله: {وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ} أي: ممسكة عن الإنفاق إمساكًا كليًا، يؤدي معنى قوله هنا (ولم يقتروا). وقوله: {وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ} يؤدي معنى قوله هنا: (لم يسرفوا). وأشار تعالى إلى هذا المعنى في قوله: {وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا (٢٦)} وقوله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ} الآية. على أصح التفسيرين.

وقد أوضحنا الآيات الدالة على هذا المعنى في أول سورة البقرة في الكلام على قوله تعالى: {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (٣)}.

مسألة

هذه الآية الكريمة التي هي قوله تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا} الآية، والآيات التي ذكرناها معها، قد بينت أحد ركني ما يسمى الآن بالاقتصاد.

وإيضاح ذلك أنه لا خلاف بين العقلاء أن جميع مسائل الاقتصاد على كثرتها واختلاف أنواعها راجعة بالتقسيم الأول إلى أصلين لا ثالث لهما.

الأول منهما: اكتساب المال.

والثاني منهما: صرفه في مصارفه، وبه تعلم أن الاقتصاد عمل مزدوج، ولا فائدة في واحد من الأصلين المذكورين إلَّا بوجود الآخر، فلو كان الإِنسان أحسن الناس نظرًا في أوجه اكتساب المال