إلَّا أنه أخرق جاهل بأوجه صرفه، فإن جميع ما حصَّل من المال يضيع عليه بدون فائدة، وكذلك إذا كان الإِنسان أحسن الناس نظرًا في صرف المال في مصارفه المنتجة إلَّا أنه أخرق جاهل بأوجه اكتسابه فإنه لا ينفعه حسن نظره في الصرف مع أنه لم يقدر على تحصيل شيء يصرفه. والآيات المذكورة أرشدت الناس ونبهتهم على الاقتصاد في الصرف.
وإذا علمت أن مسائل الاقتصاد كلها راجعة إلى الأصلين المذكورين، وأن الآيات المذكورة دلت على أحدهما فاعلم أن الآخر منهما - وهو اكتساب المال - أرشدت إليه آيات أخر دلت على فتح الله الأبواب إلى اكتساب المال بالأوجه اللائقة، كالتجارات، وغيرها، كقوله تعالى:{لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ} وقوله تعالى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} وقوله تعالى: {عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} والمراد بفضل الله في الآيات المذكورة ربح التجارة، وكقوله تعالى:{إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} وقد قدمنا في سورة الكهف في الكلام على قوله تعالى: {فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ} الآية. أنواع الشركات، وأسماءها، وبينا ما يجوز منها، وما لا يجوز عند الأئمة الأربعة، وأوضحنا ما اتفقوا على منعه، وما اتفقوا على جوازه، وما اختلفوا فيه، وبه تعلم كثرة الطرق التي فتحها الله لاكتساب المال بالأوجه الشرعية اللائقة.
وإذا علمت مما ذكرنا أن جميع مسائل الاقتصاد راجعة إلى أصلين: هما اكتساب المال وصرفه في مصارفه، فاعلم أن كل واحد