للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إلى مفعوله، وأن المعنى: ما يعبؤ بكم ربي لولا دعاؤه إياكم إلى الإِيمان به، وتوحيده، وعبادته على ألسنة رسله، فقد دلت عليه آيات من كتاب الله، كقوله تعالى في أول سورة هود: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} وقوله تعالى: في أول سورة الكهف {إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا (٧)} وقوله في أول سورة الملك: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا}.

فهذه الآيات قد أوضحت أن الحكمة في خلقه السماوات والأرض، وجميع ما على الأرض والموت والحياة، هي أن يدعوهم على ألسنة رسله، ويبتليهم، أي: أن يختبرهم أيهم أحسن عملًا.

وهذه الآيات تبين معنى قوله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (٥٦)}.

وفي هذه الآيات إيضاح لأن معنى قوله: لولا دعاؤكم؛ أي: دعاؤه إياكم على ألسنة رسله، وابتلاؤكم أيكم أحسن عملًا. وعلى هذا فلا إشكال في قوله: {فَقَدْ كَذَّبْتُمْ} أي: ما يعبؤ بكم لولا دعاؤه إياكم؛ أي: وقد دعاكم فكذبتم. وهذا القول هو وحده الذي لا إشكال فيه، فهو قوي بدلالة الآيات المذكورة عليه.

وأما القول بأن معنى: لولا دعاؤكم؛ أي: إخلاصكم الدعاء له أيها الكفار عند الشدائد، والكروب، فقد دلت على معناه آيات كثيرة كقوله تعالى: {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} وقوله تعالى: {جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ}.