الإطلاق الأول: يطلق الضلال مرادًا به الذهاب عن حقيقة الشيء، فتقول العرب في كل من ذهب عن علم حقيقة شيء: ضل عنه، وهذا الضلال ذهاب عن علم شيء ما، وليس من الضلال في الدين.
ومن هذا المعنى قوله هنا: وأنا من الضالين، أي: من الذاهبين عن علم حقيقة العلوم والأسرار التي لا تعلم إلَّا عن طريق الوحي؛ لأني في ذلك الوقت لم يوح إليّ. ومنه على التحقيق: {وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى (٧)} أي: ذاهبًا عما علمك من العلوم التي لا تدرك إلَّا بالوحي.
ومن هذا المعنى قوله تعالى: {قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى (٥٢)} فقوله: {لَا يَضِلُّ رَبِّي} أي: لا يذهب عنه علم شيء كائنًا ما كان، وقوله تعالى:{فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى} فقوله: أن تضل إحداهما؛ أي: تذهب عن علم حقيقة المشهود به، بدليل قوله بعده: فتذكر إحداهما الأخرى، وقوله تعالى عن أولاد يعقوب: {إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (٨)} وقوله: {قَالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلَالِكَ الْقَدِيمِ (٩٥)} على التحقيق في ذلك كله. ومن هذا المعنى قول الشاعر:
وتظن سلمى أنني أبغي بها ... بدلًا أراها في الضلال تهيم
والإطلاق الثاني وهو المشهور في اللغة، وفي القرآن: هو إطلاق الضلال على الذهاب عن طريق الإِيمان إلى الكفر، وعن طريق الحق إلى الباطل، وعن طريق الجنة إلى النار. ومنه قوله تعالى: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (٧)}.