للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الوقر، وعلى أبصارهم الغشاوة، فلا يسمعون الحق سماع اهتداء وانتفاع. ومن القرائن القرآنية الدالة على ما ذكرنا أنه جل وعلا قال بعده: {إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ (٨١)}.

فاتضح بهذه القرينة أن المعنى: إنك لا تسمع الموتى، أي: الكفار الذين هم أشقياء في علم الله إسماع هدى وقبول للحق، ما تسمع ذلك الإِسماع إلَّا من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون، فمقابلته جل وعلا بالإسماع المنفي في الآية عن الموتى بالإِسماع المثبت فيها لمن يؤمن بآياته فهو مسلم، دليل واضح على أن المراد بالموت في الآية: موت الكفر والشقاء، لا موت مفارقة الروح للبدن، ولو كان المراد بالموت في قوله: {إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى} مفارقة الروح للبدن لما قابل قوله: إنك لا تسمع الموتى بقوله: إن تسمع إلَّا من يؤمن بآياتنا، بل لقابله بما يناسبه، كأن يقال: إن تسمع إلَّا من لم يمت أي: يفارق روحه بدنه كما هو واضح.

وإذا علمت أن هذه القرينة القرآنية دلت على أن المراد بالموتى هنا الأشقياء الذين لا يسمعون الحق سماع هدى وقبول.

فاعلم أن استقراء القرآن العظيم يدل على هذا المعنى كقوله تعالى: {إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (٣٦)} وقد أجمع من يعتد به من أهل العلم أن المراد بالموتى في قوله: {وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ} الكفار، ويدل له مقابلة الموتى في قوله: {وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ} بالذين يسمعون في قوله: {إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ} ويوضح ذلك قوله تعالى قبله {وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ} أي: فافعل، ثم قال: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ