مِنَ الْجَاهِلِينَ (٣٥) إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ} الآية، وهذا واضح فيما ذكرنا. ولو كان يراد بالموتى من فارقت أرواحهم أبدانهم لقابل الموتى بما يناسبهم، كأن يقال: إنما يستجيب الأحياء، أي: الذين لم تفارق أرواحهم أبدانهم، وكقوله تعالى: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (١٢٢)}.
فقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: أو من كان ميتًا، أي: كافرا، فأحييناه، أي: بالإِيمان والهدى. وهذا لا نزاع فيه. وفيه إطلاق الموت، وإرادة الكفر بلا خلاف. وكقوله: {لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ (٧٠)} وكقوله تعالى: {وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ} أي: لا يستوي المؤمنون والكافرون.
ومن أوضح الأدلة على هذا المعنى أن قوله تعالى:{إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى} الآية. وما في معناها من الآيات كلها تسلية له - صلى الله عليه وسلم - ؛ لأنه يحزنه عدم إيمانهم، كما بينه تعالى في آيات كثيرة، كقوله تعالى:{قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ} الآية. وقوله تعالى: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ (٩٧)} الآية. وقوله:{وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ} الآية، وقوله تعالى: {فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (٦٨)} وكقوله تعالى: {فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ} الآية. وقوله تعالى: {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا (٦)} وقوله تعالى: {لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (٣)} إلى غير ذلك من الآيات، كما تقدم إيضاحه. ولما كان يحزنه كفرهم، وعدم إيمانهم أنزل الله آيات كثيرة تسلية له - صلى الله عليه وسلم - بين له فيها: أنه لا قدرة له - صلى الله عليه وسلم - على هدي من أضله الله، فإن الهدى والإِضلال بيده جلَّ وعلا وحده، وأوضح له أنه نذير، وقد