أن الميت يسمع قرع نعال المشيعين له إذا انصرفوا عنه، وقد شرع النبي - صلى الله عليه وسلم - لأمته إذا سلموا على أهل القبور أن يسلموا عليهم سلام من يخاطبونه، فيقول: السلام عليكم دار قوم مؤمنين. وهذا خطاب لمن يسمع ويعقل، ولولا ذلك لكان هذا الخطاب بمنزلة خطاب المعدوم والجماد، والسلف مجمعون على هذا. وقد تواترت الآثار عنهم أن الميت يعرف زيارة الحي له، ويستبشر له. قال أبو بكر عبد الله بن محمد بن عبيد بن أبي الدنيا في كتاب القبور:"باب في معرفة الموتى بزيارة الأحياء": حدثنا محمد بن عون، حدثنا يحيى بن يمان، عن عبد الله بن سمعان، عن زيد بن أسلم، عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :"ما من رجل يزور قبر أخيه ويجلس عنده إلَّا استأنس به ورد عليه حتى يقوم".
حدثنا محمد بن قدامة الجوهري، حدثنا معن بن عيسى القزاز، أخبرنا هشام بن سعد، حدثنا زيد بن أسلم، عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال:"إذا مر الرجل بقبر أخيه يعرفه، فسلم عليه رد عليه السلام وعرفه، وإذا مر بقبر لا يعرفه فسلم عليه رد عليه السلام".
وذكر ابن القيم رحمه الله في كلام أبي الدنيا وغيره آثارًا تقتضي سماع الموتى، ومعرفتهم لمن يزورهم، وذكر في ذلك مرائي كثيرة جدًّا، ثم قال: وهذه المرائي وإن لم تصلح بمجردها لإِثبات مثل ذلك، فهي على كثرتها، وأنها لا يحصيها إلَّا الله قد تواطأت على هذا المعنى، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - :"أرى رؤياكم قد تواطأت على أنها في العشر الأواخر" يعني ليلة القدر، فإذا تواطأت رؤيا المؤمنين على شيء كان كتواطئ روايتهم له.
ومما قاله ابن القيم رحمه الله في كلامه الطويل المذكور: وقد