للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

به. وما أجرى الله سبحانه العادة قط بأن أمة طبقت مشارق الأرض ومغاربها، وهي أكمل الأمم عقولًا، وأوفرها معارف تطبق على مخاطبة من لا يسمع، وتستحسن ذلك، لا ينكره منها منكر، بل سنه الأول للآخر، ويقتدى فيه الآخر بالأول، فلولا أن الخطاب يسمع لكان ذلك بمنزلة الخطاب للتراب والخشب والحجر والمعدوم. وهذا وإن استحسنه واحد فالعلماء قاطبة على استقباحه واستهجانه.

وقد روى أبو داود في سننه بإسناد لا بأس به: "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حضر جنازة رجل فلما دفن قال: سلوا لأخيكم التثبيت فإنه الآن يسأل"، فأخبر أنه يسأل حينئذ، وإذا كان يسأل فإنه يسمع التلقين. وقد صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أن الميت يسمع قرع نعالهم إذا ولوا مدبرين. ثم ذكر ابن القيم رحمه الله قصة الصعب بن جثامة، وعوف بن مالك، وتنفيذ عوف لوصية الصعب له في المنام بعد موته، وأثنى على عوف بن مالك بالفقه في تنفيذه وصية الصعب بعد موته لما علم صحة ذلك بالقرائن، وكان في الوصية التي نفذها عوف إعطاء عشرة دنانير ليهودي من تركة الصعب كانتا دينًا له عليه، ومات قبل قضائها.

قال ابن القيم: وهذا من فقه عوف بن مالك رضي الله عنه، وكان من الصحابة حيث نفذ وصية الصعب بن جثامة بعد موته، وعلم صحة قوله بالقرائن التي أخبره بها من أن الدنانير عشرة، وهي في القرن، ثم سأل اليهودي فطابق قوله ما في الرؤيا، فجزم عوف بصحة الأمر، فأعطى اليهودي الدنانير. وهذا فقه إنما يليق بأفقه الناس وأعلمهم، وهم أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ولعل أكثر المتأخرين ينكر ذلك، ويقول: كيف جاز لعوف أن ينقل الدنانير من تركة صعب،